الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قالوا نفعل.قال: تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا بينهم وبين محمد وقد أرسلوا إليه أن قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك عنا أن نأخذ من قريش وغطفان رجالًا من أشرافهم فنعطيكهم فنضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم.فأرسل إليهم أن نعم.فإن بعث إليكم يهود يلتمسون رهنًا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلًا واحدًا.ثم خرج حتى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان أنتم أهلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهمونني.قالوا: صدقت قال فاكتموا علي.قالوا نفعل فقال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم مثلما حذرهم.فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس وكان ممن صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أرسل أبو سفيان ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان.فقالوا لهم إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدًا ونفرغ مما بيننا وبينه فأرسلوا إليهم أن اليوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئًا.وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثًا فأصابهم ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم حتى تعطونا رهنًا من رجالكم يكون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدًا فإننا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تسيروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلدنا ولا طاقة لنا بذلك من محمد، فلما رجعت إليهم الرسل بالذي قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان تعلمن والله إن الذي حدثكم به نعيم بن مسعود لحقّ فأرسلوا إلى بني قريظة إنا والله لا ندفع إليكم رجلًا واحدًا من رجالنا فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا.فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن وجدوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك شمروا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم، فأرسلوا إلى قريش وغطفان إن والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنًا فأبوا عليهم.وخذل الله بينهم وبعث عليهم الريح في ليل شاتية شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل قوم ليلًا.وروى محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي وروى غيره عن إبراهيم التيمي عن أبيه قالا قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان يا أبا عبد الله رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه قال نعم يا ابن أخي.قال: كيف كنتم تصنعون قال والله لقد كنا نجهد.قال الفتى والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا ولخدمناه وفعلنا معه وفعلنا فقال حذيفة: يا ابن أخي لقد رأيتني ليلة الأحزاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من يذهب إلى هؤلاء القوم فيأتنا بخبرهم أدخله الله الجنة» فما قام منا رجل ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هونًا من الليل ثم التفت إلينا فقال مثله فسكت القوم وما قام منا رجل ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هونًا من الليل ثم إلتفت إلينا فقال: «هل من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم على أن يكون رفيقي في الجنة»؟ فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا حذيفة ولم يكن لي بد من القيام حين دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: لبيك يا رسول الله، وقمت حتى أتيته فأخذني بيدي ومسح رأسي ووجهي ثم قال: «ائت هؤلاء القوم حتى تأتيني بخبرهم ولا تحدثن شيئًا حتى ترجع إلي» ثم قال: «اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته» فأخذت سهمي وشددت على أسلابي انطلقت أمشي نحوهم كأنما أمشي في حمام فذهبت فدخلت في القوم وقد أرسل الله عليهم ريحًا وجنودًا وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرًا ولا نارًا ولا بناء قال وأبو سفيان قاعد يصطلي فأخذت سهمًا فوضعته في كبد قوسي فأردت أن أرميه ولو رميته لأصبته فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحدثن حدثًا حتى ترجع، فرددت سهمي في كنانتي، فلما رأى أبو سفيان ما تفعل الريح وجنود الله بهم لا تقر لهم قدرًا ولا نارًا ولا بناء قام فقال يا معشر قريش ليأخذ كل منكم بيد جليسه فلينظر من هو؟ فأخذت بيد جليسي فقلت: من أنت؟؟ فقال سبحان الله أما تعرفني أنا فلان بن فلان من هوازن فقال أبو سفيان يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بني قريظة وبلغنا عنه الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل: ثم قال إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب على ثلاث فما أطلق عقاله إلا وهو قائم.وسمعت غطفان بما فعلت قريش فاستمروا راجعين إلى بلادهم.قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني أمشي في حمام فأتيته وهو قائم يصلي فلما سلم أخبرته فضحك حتى بدت أنيابه في سواد الليل، فلما أخبرته وفرغت قررت وذهب عني الدفء فأدفأني النبي صلى الله عليه وسلم فأنامني عند رجليه وألقى عليَّ طرف ثوبه وألصق صدري ببطن قدميه، فلم أزل نائمًا حتى أصبحت فلما أصبحت، قال: قم يا نومان.قوله: {إذ جاؤوكم من فوقكم} أي من فوق الوادي من قبل المشرق وهم أسد وغطفان وعليهم مالك بن عوف النصري وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان ومعهم طليحة بن خويلد الأسدي في بني أسد وحيي بن أخطب في يهود قريظة {ومن أسفل منكم} يعني من بطن الوادي من قبل المغرب وهم قريش وكنانة عليهم أبو سفيان بن حرب من قريش ومن تبعه، وأبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي من قبل الخندق وكان الذي جر غزوة الخندق فيما قيل إجلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير من ديارهم {وإذا زاغت الأبصار} أي مالت وشخصت من الرعب وقيل مالت عن كل شيء فلم تنظر إلى عدوها {وبلغت القلوب الحناجر} أي زالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق من الفزع والحنجرة جوف الحلقوم، وهذا على التمثيل عبر به عن شدة الخوف، وقيل معناه أنهم جبنوا وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته وإذا انتفخت رئته رفعت القلب إلى الحنجرة فلهذا يقال: للجبان انتفخ سحره {وتظنون بالله الظنونا} أي اختلفت الظنون بالله فظن المنافقون استئصال محمد وأصحابه وظن المؤمنون النصر والظفر لهم.{هنالك ابتلي المؤمنون} أي عند ذلك اختبر المؤمنون بالحصر والقتال ليتبين المخلصون من المنافقين {وزلزلوا زلزالًا شديدًا} أي حركوا حركة شديدة {وإذ يقول المنافقون} يعني معتب بن قشير وقيل عبد الله بن أبيّ وأصحابه {والذين في قلوبهم مرض} أي شك وضعف اعتقاد {ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا} هو قول أهل النفاق يعدنا محمد فتح قصور الشام وفارس وأحدنا لا يستطيع أن يجاوز رحله هذا هو الغرور.قوله تعالى: {وإذ قالت طائفة منهم} أي من المنافقين وهم أوس بن قيظي وأصحابه {يا أهل يثرب} يعني يا أهل المدينة وقيل يثرب اسم الأرض ومدينة الرسول صلى الله عليه وسلم في ناحية منها سميت يثرب باسم رجل من العماليق كان قد نزلها في قديم الزمان وفي بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسمى المدينة يثرب وقال هي طيبة كأنه كره هذه اللفظة لما فيها من التثريب وهو التقريع والتوبيخ {لا مقام لكم} أي لا مكان لكم تنزلون وتقيمون فيه {فارجعوا} أي إلى منازلكم وقيل عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وقيل عن القتال {ويستأذن فريق منهم النبي} يعني بني حارثة وبني سلمة {يقولون إن بيوتنا عورة} أي خالية ضائعة وهي مما يلي العدو ونخشى عليها السراق فكذبهم الله تعالى بقوله: {وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارًا} أي أنهم لا يخافون ذلك إنما يريدون الفرار من القتال {ولو دخلت عليهم في أقطارها} يعني لو دخل هؤلاء الجيوش الذين يريدون قتالهم وهم الأحزاب من نواحي المدينة وجوانبها {ثم سئلوا الفتنة} أي الشرك {لأتوها} أي لجاؤوها وفعلوها ورجعوا عن الإسلام {وما تلبثوا بها} أي ما احتبسوا عن الفتنة {إلا يسيرا} أي لأسرعوا الإجابة إلى الشرك طيبة به نفوسهم، وقيل معناه وما أقاموا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلا حتى يهلكوا.قوله: {ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل} أي من قبل غزوة الخندق {لا يولون الأدبار} أي لا ينهزمون، قيل هم بنو حارثة هموا يوم أحد أن يفشلوا مع بني سلمة، فلما نزل فيهم ما نزل عاهدوا الله أن لا يعودوا لمثلها، وقيل هم أناس غابوا عن وقعة بدر فلما رأوا ما أعطى الله أهل بدر من الكرامة والفضيلة قالوا لئن أشهدنا الله قتالًا لنقاتلن فساق الله إليهم ذلك {وكان عهد الله مسؤولًا} أي عنده في الآخرة {قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل} أي الذي كتب عليكم لأن من حضر أجله مات أو قتل لابد من ذلك {وإذًا لا تمتعون} أي بعد الفرار {إلا قليلًا} أي مدة آجالكم وهي قليل {قل من ذا الذي يعصمكم} أي يمنعكم {من الله إن أراد بكم سوءًا} أي هزيمة {أو أراد بكم رحمة} أي نصرًا {ولا يجدون لهم من دون الله وليًا ولا نصيرًا} أي ناصرًا يمنعهم. اهـ.
|